الأزمات لا تعوق إنشاء شركات ناجحة!

بواسطة محمود حازم

كنت قد كتبت سابقاً كيف ان الظروف الحالية في مصر هي أفضل وقت لبدء شركة ناشئة، تحدثت فيه على ان الظروف بعد ثورة 25 يناير لا تمنع إنشاء شركات ناشئة و لا يجب ان نتعامل معها على انها العامل الوحيد و المؤثر.

اليوم أعيد نشر ترجمة العزيز رؤوف شبايك – بعد إستئذانه – لمقال بول جراهام حول ان الاوضاع الاقتصادية ليست بالضرورة عائق لإنشاء شركات ناشئة.

تحديث بخصوص موافقة بول جراهام على ترجمة و نشر مقالاته على لسان رؤوف شبايك في احدى تدويناته:
“بعدما سمح بول جراهام لمن يريد بترجمة مقالاته ونشرها، كما أخبرني جهاد العمار مؤسس موقع قيم.”

أترككم إذاً مع ترجمة رؤوف شبايك لمقال Pual Graham، الأزمات لا تعوق إنشاء شركات ناجحة:

 

من العقول التي تحب أن تقرأ لها، الأمريكي بول جراهام، فهو من النوع الهادئ في كلامه، الصادم في أفكاره، صادم المعتقدات التي غيرها الزمان فلم نشعر بهذا التغير. بدأت شهرة بول جراهام حين صمم أول تطبيق يعتمد على انترنت (متجر إلكتروني) وباعه لشركة ياهو في 1998 مقابل أسهم فيها (بلغت قيمتها يوما قرابة 50 مليون دولار)، وهو مؤلف له العديد من الكتب، والعديد من المقالات التي تشجع الكل عامة والتقنيين خاصة على بدء شركاتهم الخاصة، حتى أنه شارك اثنين آخرين في تأسيس مفرخة لتمويل شركات ناشئة، ساهمت في ظهور أكثر من 80 شركة تقدم خدمات ذات علاقة بانترنت، مثل الموقع الشهير ريدت، حتى أن مجلة بيزنس ويك اختارته واحدا من 25 شخصية مؤثرة في عالم انترنت في عام2008، ولعل المقالة التي سبق لي وترجمتها له، لماذا يجب ألا تتردد في بدء شركتك، كان لها الأثر الطيب مع العديد من القراء، بل لعلها دفعت بعضهم لبدء شركتهم الخاصة.

مؤخرا، طرح بول جراهام مقالة تستحق القراءة، وأحب أن أوضح أني اجتهدت للوصول إلى بول للحصول على موافقته في ترجمة مقالاته فلم أفلح، حتى أني عثرت على عنوان بريده القديم على موقع ياهو وراسلته ولم يصلني شيئا منه، لذا إن كان منكم من يعرف طريقة ناجحة في الوصول إليه، أرجوه أن يرشدني إليها. لنبدأ، يقول بول جراهام:

لماذا تبدأ شركتك الجديدة في الأوقات العصيبة

غني عن البيان مدى إظلام الأزمة المالية العالمية الحالية، حتى أن بعض الخبراء يشبهها بفترة الكساد التي شابت حقبة السبعينات. لكن هذه الحقبة شهدت نشأة شركات مثل مايكروسوفت وابل، وعليه نؤسس أن فترة الكساد لا تمنع بالضرورة من إنشاء شركات ناجحة، وكذلك لا تعني فترات الرواج رجحان نسب نجاح إنشاء شركة جديدة. الحقيقة العلمية هنا تقول أن حالة الاقتصاد لا تؤثر كسادا أو انفراجا على فرص نجاح شركة جديدة.

كما تعلمنا من تمويل شركات ناشئة عديدة، هذه الشركات تنجح أو تفشل فقط بسبب نوعيات شخصيات المؤسسين لها. نعم، حالة الاقتصاد تؤثر على النجاح، لكن بمعدل بسيط للغاية، يمكن لنا تجاهله بدون قلق. أي بكلمات أخرى، ما يصنع الفرق الكبير هو من أنت، فإذا كنت الشخص المناسب، فستنجح حتى ولو كنت تخوض في اقتصاد متراجع كاسد. أما إذا لم تكن الشخصية المناسبة، فالاقتصاد الرائج قد لا ينقذك.

إذا كنت تظن أنه بسبب الكساد، فمن الأفضل لك أن تتريث بشأن تأسيس شركتك الخاصة، فأنت تقع في ذات الخطأ الذي وقع فيه من سارع ليؤسس شركة جديدة قبل انفجار فقاعة انترنت التي شهدنا نهايتها في عام 2001 (مثل موقع عربية). إذا أردت أن تزيد من فرص نجاحك، فكر أكثر فيمن ستختاره شريكا لك، بدلا من التفكير في حالة الاقتصاد، وإذا كنت قلقا من التهديدات المحدقة بفرص نجاح وبقاء شركتك، لا تطالع الأخبار، بل أنظر في المرآة.

لكن، أليس من الحكمة التروي حتى يتحسن الاقتصاد الحالي؟ في حال كنت ستبدأ مشروع مطعم جديد، نعم، لكن إذا كنت تعمل على تقنية جديدة ابتكرتها، فالرد بالنفي. التطور التقني يستمر بغض النظر عن حالة البورصة، ولذا يجب التحرك بشكل سريع، فالاقتصاد السيئ سيعطي نتائج أفضل لهذه الفكرة. أول منتج قدمته الشركة الناشئة (وقتها) مايكروسوفت كان برنامج للبرمجة بلغة بيسك على حاسوب ألتير، وهذا ما كان العالم بحاجة إليه في عام 1975، لكن إذا كان بيل جيتس و بول آلن قررا التريث قليلا لبضعة سنوات، لكان منتجهما وصل السوق متأخرا!

بالطبع، لن تكون الفكرة التي لديك الآن هي الأخيرة، فسيكون هناك دائما المزيد من الأفكار الجديدة، ولكن، إذا كان لديك فكرة جديدة محددة تريد أن تستغلها، فافعل ذلك في التو. هذا لا يعني أن بإمكانك تجاهل حالة الاقتصاد، فكلا الطرفين، المستثمر والمستخدم، سيشعر بالقبضة الخانقة للأزمة. شعور المستخدم بأثر القبضة لا يمثل بالضرورة أي مشكلة، على العكس، يمكنك أن تستفيد من هذا الشعور، بأن توفر للمستخدم طريقة يوفر بها ماله. الشركات الجديدة عادة ما تقدم طرقا جديدا لتوفير المال، ولهذا السبب فأنت ستكون في موقف أفضل حين يكسد الاقتصاد، خاصة إذا قارنا بينك وبين الشركات الكبيرة.

المستثمرون هم ما يشكلون المشكلة الأكبر، فالشركات الناشئة عادة ما تحتاج إلى ممولين من خارجها، ويميل المستثمرون للتريث وعدم الاستثمار في أوقات الأزمات الاقتصادية. يعرف الجميع القاعدة التي تقول أنه عليك أن تشتري في الأوقات السيئة، وتبيع في الأوقات الجيدة، لكن تفعيل هذه القاعدة ليس بالأمر السهل. في عام 1999 كان المستثمرون يدهسون بعضهم في عجلتهم لوضع نقودهم في أي شركة ناشئة، لكن في 2009 ستجدهم متقاعسين عن الاستثمار في شركات تبشر بالخير.

عليك أن تتواءم مع هذا الإحجام، فالشركات الناشئة عادة ما تواكب رغبات المستثمرين، فقط سل أي مؤسس لشركة جديدة كيف عثر على المال اللازم لتأسيس شركته، ففي العام الماضي كان على هذا المؤسس الإجابة على السؤال كيف ستنجح شركته وتنتشر مثل الفيروس، في العام المقبل سيتعين على كل مؤسس شركة ويبحث عن تمويل أن يشرح كيف ستقاوم شركته الكساد.

لكي تجعل شركتك مقاومة لآثار الكساد السلبية، ليس أمامك سوى أن تجعل مصاريف تشغيل شركتك عند أقل مستوى ممكن. لسنوات عدة وأنا أقول للمؤسسين الجدد، طريق النجاح الأكيد هو أن تكونوا مثل الصراصير في عالم المؤسسات الكبيرة. السبب الأول والدائم لإفلاس ونهاية الشركات الناشئة هو نفاد المال لديها. كلما كانت الشركة الناشئة تعمل بأقل تكاليف ممكنة، كلما كان من الصعب القضاء عليها. لحسن الحظ، أصبح الآن بالإمكان تأسيس شركة جديدة وتشغيلها بتكلفة رخيصة، خاصة في وقت الكساد، والذي يسمح لك بالمزيد من التوفير.

إذا حدث وحل علينا الشتاء النووي (كناية عن الدمار الاقتصادي) فمن الأسلم أن تكون صرصارا، ولعله أسلم لك من حتى الاحتفاظ بوظيفتك. سيتناقص العملاء الواحد تلو الآخر، لكنهم لن يختفوا كلهم في وقت واحد، فالأسواق لا تفعل ذلك (لا تختفي فجأة).

ماذا لو استقلت من وظيفتك وأسست شركتك ثم أفلست هذه الشركة ولم تتمكن من العثور على وظيفة بديلة؟ هذه ستكون مشكلة إذا كنت تعمل في مجال المبيعات أو التسويق، الشيء الذي قد يجعلك تنتظر لشهور حتى تعثر على وظيفة أخرى في اقتصاد كاسد. على الجهة الأخرى، عادة ما يتمكن العاملون في مجال تقنية المعلومات الجيدون من العثور على وظيفة أو أخرى، قد لا تكون الوظيفة التي يحلمون بها، لكنها ستمنع عنهم الجوع.

الميزة الأخرى للأوقات الصعبة قلة المنافسة، فقطارات التقنية تقلع في مواعيد منتظمة، فإذا وجدت الجميع فئرانا مذعورة تختبئ على شاطئ الأمان، ربما وجدت نفسك تجلس مستمتعا بعربة قطار كلها لك وحدك.

أنت أيضا من المستثمرين، فكمؤسس، أنت تشتري أسهما في شركتك بعملك فيها، فكما نعرف جميعا الثنائي لاري و سيرجي (مؤسسا شركة جوجل)، فهما لم يغتنيا من الاستثمار في ملايين الدولارات، بل استثمرا في شراء أسهم شركتهما حين كان الوقت صعبا والسعر متدنيا. (كناية عن بداية شركتهما حين كان سعر سهم شركتهم رخيصا).

هل هززت رأسك موافقا وأنت تقرأ الفقرة التي تحدثت عن عدم صحة إحجام المستثمرين عن الشراء والتمويل في الأوقات الصعبة؟ حسنا، مؤسسو الشركات ليسوا أفضل حالا منهم، فعندما تسوء الأمور وتكسد الاقتصادات، تجدهم يعودون إلى المدرسة، وبلا شك هذا الإحجام سيتكرر خلال الأزمة الحالية، وخير دليل أن كثير من قراء هذه الفقرة سيتفقون معها، لكن القلة القليلة جدا هي من ستعمل بما جاء في هذه الفقرة!

وعليه، فلعله من الأوقات المناسبة تأسيس شركة جديدة في أوقات الكساد، ومن الصعب الجزم هل قلة / انعدام المنافسة أمر إيجابي من القوة بحيث يتفوق على إحجام المستثمرين عن تمويل الشركات الناشئة أم لا، لكن الأمر لا يهم على كلا الوجهين، فما يهم فعلا هو الناس أنفسهم، وبالنسبة إلى بعض العاملين في المجال التقني، وقت اتخاذ القرار هو الآن.